انهيار مبيعات فولكسفاغن وأزمة الاقتصاد الألماني
انهيار مبيعات فولكسفاغن: مؤشر على أزمة عميقة في الصناعة الألمانية
"فترة تحول" تعصف بعملاق صناعة السيارات
أصبح مصطلح "فترة تحول" مألوفًا بشكل متزايد في ألمانيا، خاصةً في ظل التغيرات الاقتصادية والسياسية التي تشهدها البلاد. ويعد هذا المصطلح، الذي صاغه المستشار الألماني أولاف شولتس لمواجهة تحديات جديدة في السياسة الخارجية والدفاعية، يعكس حاليًا التحديات التي تواجهها مجالات متعددة، لا سيما الاقتصاد. وشركة فولكسفاغن تعد مثالًا صارخًا على هذه التحديات.
صعود السيارات الكهربائية وتراجع محركات الاحتراق
تواجه صناعة السيارات الألمانية، وخاصةً فولكسفاغن، تحديات كبيرة بسبب تحول السوق العالمي نحو السيارات الكهربائية. تستمر السيارات الكهربائية في اكتساب شعبية متزايدة، بينما تتراجع أهمية محركات الاحتراق في الأسواق الرئيسية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وأوروبا. وأظهرت دراسة حديثة أجرتها شركة برايس ووترهاوس كوبرز (PwC) هذا التوجه بشكل واضح، وتوقع الخبراء زيادة ملحوظة في عدد تسجيلات السيارات الكهربائية خلال السنوات القادمة.
تيسلا تتفوق على فولكسفاغن في السوق
أظهرت دراسة أخرى أجرتها مؤسسة مراقبة سوق فرانكفورت أنَّ سيارة تيسلا موديل واي (Tesla Model Y) تُعد الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة الأمريكية والصين وأوروبا. في حين أنَّ نماذج فولكسفاغن أظهرت أداءً متوسطًا فقط في هذه الأسواق.
أرباح فولكسفاغن تتراجع بشكل حاد
أدى هذا التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية إلى أزمة حقيقية في شركة فولكسفاغن، أكبر شركة مصنعة للسيارات في ألمانيا. وأشار خبير السيارات فرانك شفوب إلى أنَّ "الاضطراب الناجم عن النقل الكهربائي وظهور منافسين صينيين جدد" ساهم بشكل كبير في تراجع الأرباح بشكل حاد. فقد سجلت فولكسفاغن انخفاضًا في أرباحها بنسبة 64٪ تقريبًا في الربع الثالث من عام 2024 مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق.
خطط فولكسفاغن لتقليص النفقات وإغلاق المصانع
ولمواجهة هذه الأزمة، أعلنت مجموعة فولكسفاغن عن خطط لتوفير المال من خلال تقليص تكاليف الأجور، بما في ذلك تخفيض الرواتب الثابتة بنسبة 10٪. وتشير المعلومات إلى أنَّ الشركة تخطط لإغلاق ثلاثة مصانع وإلغاء عشرات الآلاف من الوظائف. وتأكدت خطورة الوضع من خلال إعلان شركة أودي، التابعة لشركة فولكسفاغن، عن وقف إنتاج السيارات الكهربائية في بروكسل نهاية فبراير القادم، مما سيؤدي إلى فقدان وظائف حوالي 3,000 موظف.
تحذيرات من فقدان الوظائف في قطاع السيارات الألماني
أكدت رئيسة اتحاد صناعة السيارات الألمانية (VDA) هيلدغارد مولر على خطورة الوضع، محذرة من أنَّ التحول إلى النقل الكهربائي قد يؤدي إلى فقدان 140,000 وظيفة أخرى في قطاع صناعة السيارات الألمانية خلال العشرة أعوام القادمة. وأشارت إلى أنَّ نحو 46,000 وظيفة فقدت بالفعل منذ عام 2019.
دور السياسة في الأزمة
أدت أزمة فولكسفاغن إلى دعوات سياسية لتوفير دعم أفضل للقطاع من خلال "الشروط العامة الأفضل". وتبرز هذه الدعوة بشكل خاص بسبب وجود سياسيين في مجلس إدارة فولكسفاغن، مثل رئيس وزراء ولاية ساكسونيا السفلى، شتيفان فايل، الذي دعا إلى "اتباع حلول بديلة ودية" لدعم الشركة.
تخوفات من عدم وجود استراتيجية واضحة لدعم النقل الكهربائي
أشارت سودها ديفيد ويلب، مديرة مكتب برلين لمركز أبحاث مارشال الأمريكي الخاص بألمانيا، إلى أنَّ عدم وجود خطة واضحة لدعم النقل الكهربائي في ألمانيا ساهم في الأزمة. وتتضارب سياسات الحكومة الألمانية في هذا المجال، حيث يدعو بعض المسؤولين إلى تقديم حوافز لشراء السيارات الكهربائية، بينما يتم إلغاء هذه الحوافز من قبل حكومة "تحالف إشارات المرور" في برلين.
السياسة "المريحة" والمشاكل الاقتصادية
أرجعت سودها ديفيد ويلب أسباب الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها ألمانيا إلى تخوف الحكومات الاتحادية من تنفيذ إصلاحات مؤلمة ولكنها ضرورية. وقالت أنَّ "السنوات في عهد السيدة ميركل كانت مريحة جدًا بالنسبة لألمانيا، التي كانت غنية بما فيه الكفاية للتغلب على جائحة كورونا. ولكن نظراً إلى نجاح الشعبويين، فإنَّ الأحزاب المعترف بها تريد أن يشعر الألمان بأمان واستقرار اقتصادي لكي لا يقعوا في أحضان الأحزاب التي تثير الخوف."
فولكسفاغن: ضحية أوسع من التحول نحو النقل الكهربائي
أكد هانز-فيرنر زين، الرئيس السابق لمعهد إيفو (Ifo)، أنَّ أزمة فولكسفاغن ليست حالة معزولة، بل هي نتيجة للتحول العالمي نحو النقل الكهربائي، وحظر الاتحاد الأوروبي لمحركات الاحتراق، وارتفاع تكاليف الطاقة في ألمانيا. وقال أنَّ "تراجع التصنيع ليس موضوعًا من المستقبل، بل هو موضوع يحدث هنا والآن".
دلالات أزمة فولكسفاغن على الاقتصاد الألماني
أشارت فرانزيسكا بالماس، الخبيرة الاقتصادية في شركة كابيتال إيكونوميكس في لندن، إلى أنَّ أزمة فولكسفاغن تعكس أزمة أوسع في الصناعة الألمانية. فقد انخفض الإنتاج الصناعي في ألمانيا بنحو 10٪ في يوليو 2024 مقارنةً ببداية عام 2023، واستمر هذا التراجع لستة أعوام متتالية.
دعوة إلى إصلاحات اقتصادية في ألمانيا
أكد كارستن برتسيسكي أنَّ أزمة فولكسفاغن يجب أن تكون "نداء التنبيه الأخير" للسياسيين الألمان من أجل إصلاح الاقتصاد الألماني وجعله أكثر جاذبية للاستثمار من خلال إصلاحات واستثمارات جديدة.
الخلاصة
تواجه فولكسفاغن، رمز نجاح الاقتصاد الألماني، أزمة حقيقية بسبب تحول السوق العالمي نحو السيارات الكهربائية. تتطلب هذه الأزمة تدخلًا سياسيًا لتقديم دعم أفضل للقطاع من خلال إصلاحات اقتصادية جوهرية. فقدان فولكسفاغن لقدرتها على التنافس في السوق العالمية سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الألماني بشكل عام.
تم نشر هذا المقال بواسطة تطبيق عاجل
التطبيق الأول لمتابعة الأخبار العاجلة في العالم العربي
اضغط لتحميل التطبيق الآن مجاناً