تراثيات "الغيطاني" وجماليات الفنون الإسلامية
تراثيات "الغيطاني" وجماليات الفنون الإسلامية
"الغيطاني" وجماليات التراث
كان "جمال الغيطاني" (1945-2015) من أبرز الكتاب الذين تميزوا بارتباطهم الوثيق بالتراث العربي والإسلامي. فقد نشأ في بيئة مصرية غنية بالتاريخ والثقافة، وأثر ذلك بشكل كبير على تكوينه الفكري والفني. فمنذ صغره كان مولعا بالتاريخ والآثار، ودرس تصميم السجاد والذي اعتبره فرصة للتعرف على جماليات الزخارف الإسلامية والخط العربي.
لم يكن "الغيطاني" كغيره، فقد استثمر هذه الدراسة ليتعمق في جماليات الفنون الإسلامية، مما أثر بشكل كبير على كتاباته الأدبية لاحقا. فقد استطاع أن ينسج تراثنا العربي في كتابة الرواية والقصة، ليُصبح اسمه مرتبطاً بالاتجاه الجمالي الأصيل في الرواية العربية. من أشهر أعماله: "الزيني بركات"، "أوراق شاب عاش منذ ألف عام"، و"رسائل البصائر في المصائر".
"الغيطاني" وعشق القاهرة
"الغيطاني" كان عاشقا للمدن الإسلامية الوسيطة، خاصة القاهرة، وقد غاص في تاريخها وعمرانها، وكتب عنها بشغف ودراية. كان يتابع باهتمام تطور القاهرة منذ تأسيسها وحتى زمن العثمانيين، وكتب العديد من المقالات حولها في مجلة العربي الكويتية.
"الغيطاني" كان يكتب بوجد وعشق، ويُجذب القارئ إلى عالم القاهرة وكأنها "مثلث برمودا"، لا يمكن الخروج منه. فكان يكتب عن مسجد السلطان حسن، بيت القاضي، مجموعة قلاوون، وشارع المعز ببابيه الشماليين "الفتوح" و"النصر"، وباب زويلة في الجنوب. كان يُهامس الحجر وينصت له، وكأنه يُفك شفرة لغته السرية. من أشهر كتاباته عن القاهرة: "قاهريات مملوكية"، "ملامح القاهرة في ألف سنة"، و"استعادة المسافر خانة.. محاولة للبناء من الذاكرة".
"الغيطاني" وأهمية التراث
"الغيطاني" كان أحد أهم أساتذتي الذين قادوني لاستكشاف تاريخنا الإسلامي وتراثنا العربي. كتاباته "منتهى الطلب في تراث العرب" ألهمتني للقراءة في التراث العربي والإسلامي. تعرفت على صديقي ورفيقي "أبي حيان التوحيدي" من خلال "منتهى الطلب"، وقرأته بشغف.
كما تعرفت على "الأمير أسامة بن منقذ" وكتابيه "الاعتبار" و"المنازل والديار"، وفهمت أهمية الكتابة الذاتية في التراث العربي. اكتشفت أن هناك العديد من المؤرخين المميزين مثل "السيوطي" و"ابن خلدون"، وأدمنت قراءة مؤرخي مصر الإسلامية مثل "المقريزي"، "ابن تغري بردي"، "السيوطي"، "السخاوي"، و"ابن إياس".
"الغيطاني" ومكتبتي
"الغيطاني" ألهمني لجمع الكتب التراثية بكل فروعها، من الأدب إلى التصوف والتاريخ والفقه. وأصبح لدي مكتبة ضخمة تضم الآلاف من الكتب، تضم أعمال "ابن خلدون"، "ابن المقفع"، "الجاحظ"، "التوحيدي"، "ابن عبد ربه"، "ابن رشد"، "القزويني"، "الغزالي"، "محيي الدين ابن عربي"، "الطبري"، "ابن الأثير"، "الأصفهاني"، "ابن قتيبة"، "سيبويه"، "ثعلب"، "ابن جني"، "المتنبي"، "أبو تمام"، "أبو العلاء المعري"، "مهيار الديلمي"، "ابن شهيد الأندلسي"، "ابن عبد الحكم"، "الكندي"، "ابن زولاق المصري"، "ابن حجر"، "السخاوي"، "ابن تغري بردي"، "المقريزي"، "السيوطي"، و"ابن إياس".
كنت أقضي ساعات طويلة مع كتاب "ابن إياس" "بدائع الزهور"، و"الغيطاني" هو من جذبني لهذا الكتاب بعد أن قرأت روايته "الزيني بركات". "الغيطاني" أعاد نشر مخطوطة "بدائع الزهور" في 13 مجلداً، بعدما أعيدت نشرها في 5 مجلدات فقط.
"الغيطاني" مؤسسة
"الغيطاني" لم يكن فقط روائياً مُمتازاً أو كاتباً وصحفياً مُميّزاً، بل كان مؤسسةً بأكملها. ترك إرثاً ثرّياً سوف يظل حياً طويل الزمن. "الغيطاني" مثال للشخص الذي أثر على العديد من الجيل من بعده. "الغيطاني" مُستمر في عقولنا وأفكارنا من خلال كتبه ورسائله وإرثه الذي لا ينسى.
تم نشر هذا المقال بواسطة تطبيق عاجل
التطبيق الأول لمتابعة الأخبار العاجلة في العالم العربي
اضغط لتحميل التطبيق الآن مجاناً