"تقسيم السودان" خطر يلوح في الأفق مع تزايد نفوذ الدعم السريع في دارفور

خطر التقسيم يلوح في الأفق مع تزايد نفوذ الدعم السريع في دارفور

بعد أيام قلائل من اتهامات قائد قوات الدعم السريع السودانية الفريق محمد حمدان دقلو لمصر بالمشاركة في الحرب في بلاده إلى جانب الجيش السوداني، عمدت قوات تتبع له إلى إيقاف الصادرات المتجهة إلى مصر من المناطق التي تسيطر عليها في دارفور وكردفان.

مخاوف متزايدة من تقسيم السودان

ومع أن الخطوة جاءت في إطار التصعيد تجاه مصر، إلا أنها تعد مؤشراً على أن السودان يمضي نحو التقسيم، خاصة وأن الجيش أو الحكومة السودانية رفضت هذه الخطوة، واعتبرتها "محاولة لفرض سلطة الأمر الواقع".

وعززت هذه الخطوة أيضا مخاوف كثيرة من السودانيين من احتمالية تقسيم بلادهم على غرار ما جرى في دول مجاورة، وذلك بسبب تداعيات الحرب المستمرة منذ أبريل/ نيسان من العام 2023 والتي أضحت البلاد بموجبها مناطق خاضعة للجيش وأخرى للدعم السريع.

سيطرة الدعم السريع على مناطق واسعة

ومنذ اندلاع الحرب، تسيطر قوات الدعم السريع على معظم إقليم دارفور ما عدا مدينة الفاشر بالإضافة إلى مناطق واسعة في إقليم كردفان والعاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة وسنار.

وبالرغم من أن حميدتي قد شدد خلال خطابه المصور، الذي اتهم فيه مصر بقصف قواته بالطيران الحربي، على وحدة السودان "وسيادة أراضيه". إلا أن عدداً من الشواهد والمؤشرات تدل على أن قادته وقواته على الأرض تمضي في اتجاه التقسيم أو الحكم الذاتي على أقل تقدير، كما يقول العديد من الخبراء.

تشكيل حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع

ولاحقاً أوضح الباشا طبيق، وهو أحد مستشاري قائد قوات الدعم السريع، أن الحاجة إلى تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قواتهم أصبحت ضرورة قصوى.

وأضاف طبيق في تغريدة على منصة "إكس": "هذه الخطوة يجب أن تجد الترحيب والاعتراف الفوري من المجتمع الدولي للحفاظ على بقاء الدولة السودانية موحدة".

إنشاء إدارات مدنية وإدارات خاصة

وواقعة وقف تصدير المنتجات والبضائع السودانية إلى مصر لم تكن الأولى في هذا الاتجاه؛ فقد شكلت قوات الدعم السريع ما أطلقت عليها الإدارات المدنية لإدارة شؤون الحكم في المناطق التي تسيطر عليها في دارفور والجزيرة وكردفان.

وقالت إن وظيفة هذه الإدارات هي تقديم الخدمات وحماية المدنيين وذلك بالتنسيق معها.

كما أنشأت الدعم السريع قوات خاصة لحماية المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، فضلاً عن قوات للشرطة ونيابات خاصة بها في تلك المناطق، خاصة في إقليم دارفور غربي البلاد.

حركة تجارية نشطة في مناطق سيطرة الدعم السريع

ويرى مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات سليمان بلدو أن "السودان حالياً مقسمة فعلياً على أرض الواقع".

وقال لبي بي سي إن السودان مقسم إلى جزئين: جزء في غرب السودان في دارفور وكردفان والجزيرة وسنار وهي تحت سيطرة ونفوذ قوات الدعم السريع، وجزء آخر في شرق السودان في كسلا والقضارف والبحر الأحمر، وشماله في نهر النيل والشمالية تحت سيطرة ونفوذ الجيش.

وتابع "المناطق التي تحت سيطرة قوات الدعم السريع أصبحت الآن بشكل كامل تتبع لها عسكرياً وإدارياً، وبدأت تشكيل مجالس للحكم خاصة بها دون أي وجود للحكومة فيها".

سيناريو تقسيم السودان

ويرى المحلل السياسي والخبير في منطقة القرن الأفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، أنه في ظل اتخاذ الحرب الحالية "شكلاً جهوياً ودفاع كل طرف عن مناطق حواضنه الاجتماعية، والتصعيد المستمر، فإن سيناريو تقسيم السودان وارد بشدة".

وقال لبي بي سي "إذا استمرت الحرب على هذه الوتيرة، فإن هناك خطراً حقيقياً من انقسام الدولة، والخطر الحقيقي ليس في الانقسام إلى دولتين، وإنما إلى دويلات في ظل سيطرة قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان لمناطق واسعة في جنوب كردفان، وايضاً سيطرة حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور لعدد من المناطق في إقليم دارفور".

تعقيدات جيوسياسية في السودان

ويختلف رئيس تحرير صحيفة "إيلاف" خالد التجاني مع بلدو وإدريس، معتبراً أن سيناريو تقسيم السودان على غرار ما حدث في ليبيا أو غيره من الدول "غير وارد بالرغم من الشواهد والمؤشرات".

وقال التجاني إن محاولة استدعاء سيناريو تقسيم دولة ما وإنزاله على السودان أمر غير منطقي؛ لأن هنالك تعقيدات جيوسياسية كبيرة في المشهد السوداني، وهي تختلف عما سواها في المنطقة.

ويشرح التجاني بأن "الواقع في دارفور معقد جداً، وهنالك عرقيات وقبائل كثيرة ومتداخلة، وبالتالي يصعب على جهة واحدة مثل الدعم السريع إدارة الإقليم، كما أنه إقليم مغلق ولا توجد به موانئ أو منافذ، ما يجعله غير جاذب للانفصال".

وبسؤاله عن انفصال جنوب السودان عن السودان بالرغم من عدم وجود موانئ أو منفذ، قال التجاني إن تجربة جنوب السودان مختلفة جداً عن دارفور.

وشرح قائلاً "في تجربة جنوب السودان، كان هنالك إجماع شبه دولي على منح الجنوب حق تقرير المصير، باعتبار أن هناك دواعي لإنشاء الدولة الجديدة، ومن بينها الاختلافات في الثقافات والدين بين الشمال والجنوب، وهذا الأمر غير موجود في دارفور".

مخاوف تكرار تجربة جنوب السودان

وبرزت المخاوف من تكرار تجربة جنوب السودان في دارفور مع استمرار الحرب في عامها الثاني وعدم وجود مؤشرات على توقفها في المدى القريب.

خاتمة

مع استمرار الحرب في السودان وتزايد نفوذ قوات الدعم السريع في مناطق واسعة من البلاد، يلوح في الأفق خطر التقسيم الذي يهدد بتقسيم البلاد إلى دويلات متناحرة. وتستمر المخاوف من تكرار تجربة جنوب السودان في دارفور، حيث تعدّ تعقيدات المشهد السوداني عائقاً أمام التوصل إلى حل سلمي، وتبقى احتمالية التقسيم سيناريو مرعباً في ظلّ استمرار الصراع وعدم وجود مؤشرات على التوصل إلى حل سلمي قريب.