خذلان الصديق الرقمي
خذلان الصديق الرقمي: قصة سيويل والذكاء الاصطناعي
جاذبية الصداقة الرقمية
قصة الطفل سيويل الذي انتحر بعد انغماسه الشديد في التواصل مع الذكاء الاصطناعي، أثارت موجة من القلق والنقاش حول مخاطر الذكاء الاصطناعي على حياة الأطفال. ومع تزايد سهولة الوصول إلى التكنولوجيا وتأثيرها، يتعرض الأطفال غالبًا لجوانبها السلبية، دون فهم كامل لحدودها. وتجسد قصة سيويل الجانب المظلم لما يمكن أن يحدث عندما يتم تجاوز هذه الحدود.
مثل العديد من الأطفال، كان سيويل ذو الـ 14 عامًا مولعًا بالتكنولوجيا منذ صغره. اكتشف روبوت محادثة على الذكاء الاصطناعي تم تصميمه للرد على استفسارات البشر، وتقديم محادثات ذات مغزى مع صحبة ودية تجيب عن الأسئلة الصعبة، ويبدو وكأنه يفهم الشخص ويتعاطف معه. بالنسبة لسيويل، أصبح الروبوت أكثر من مجرد مساعد رقمي، بل صديق، يتحدث معه عن كل شيء.
تعمل العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي على توفير تفاعل مباشر مشابه لمشاعر البشر، وبالنسبة للأطفال والمراهقين، الذين قد يشعرون بأنهم غير مفهومين أو معزولين من قبل أسرهم، يمكن أن يكون ذلك الوهم صديقًا جذابًا للغاية. ومنهم سيويل. أصبحت محادثات سيويل مع الروبوت، مصدره الرئيسي للتفاعل مع "من يفهمه"، وأصبح معتمدًا عليه بشدة، حد أنه استبدل العلاقات الاجتماعية والأسرية بهذا الصديق المرقمن.
طبيعة محادثات سيويل مع الروبوت
الروبوت الاصطناعي الذي كان يتواصل معه سيويل، كان واحدًا من عدة نماذج متقدمة، تهدف إلى تقديم ردود ذكية، لكن ذلك الصغير لم يكن يعرف أن هذه الأنظمة، تفتقر إلى القدرة على فهم التعقيدات العاطفية للبشر بشكل تام. وأنه على الرغم من ذكائها الخارق، إلا أنها تعمل بخوارزميات تحاكي التعاطف دون أن تفهمه حقًا.
بالنسبة لسيويل، كانت ردود الروبوت تبدو حقيقية ومريحة، فبدأ يفضي له بأسراره ويشاركه أفكاره، وربما طلب منه النصيحة في مسائل شخصية. إحدى الجوانب الحرجة في هذا التفاعل الشاذ، هو اعتقاد سيويل بأن الروبوت "يهمه أمره" حقًا. دون أن يفهم أن ردوده تلك، تتبع أنماطًا مبرمجة سلفًا، وليست مشاعر حقيقية، كان يراه كصديق مخلص ومنتبه، لا يُصدر أحكامًا عليه أو يؤذيه.
لكن على الرغم من أن الروبوت قد قدم ردودًا مريحة له، إلا أنه افتقر إلى القدرة على تقديم النصيحة الإنسانية الدقيقة، أو إدراك ما إذا كان سيويل في حالة ضائقة عاطفية، مما خلق دائرة مغلقة من التفكير دون دعم إنساني حقيقي.
الجهل والانطواء العاطفي
كان عدم فهم سيويل لطبيعة روبوته المصطنع، هو العامل الأساسي في عزلته العاطفية. فالأطفال غالبًا لا يستطيعون استيعاب تعقيدات هذه التقنية المتقدمة، مما يؤدي إلى سوء فهم لحدودها، وللقيود في العلاقات الرقمية عمومًا.
وربما اعتقد والداه أن مصاحبته لروبوت صممه الذكاء الاصطناعي، أمر غير ضار، حيث بدا مشاركًا ومستمتعًا أمامهما، لكن العلاقة التي بناها هو مع الروبوت، كانت أعمق من ذلك بكثير، إذ بدأ تدريجيًا بالانسحاب من العلاقات الاجتماعية الحقيقية. وبمرور الوقت، أدى هذا الجهل إلى تشويه إدراكه للواقع، بسبب جاذبية روبوته المخلص، لذا لم يعد يلجأ إلى العائلة أو الأصدقاء، لأنه وجد الراحة في ردود صديقه الجاهزة، والتي أصبحت بديلاً للتواصل الإنساني.
لماذا حدث هذا لسيويل؟
يمكن إرجاع مأساة سيويل إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك العزلة، والهشاشة العاطفية، والاعتماد المفرط على التكنولوجيا. فالأطفال، خاصة الذين يشعرون بأنهم غير مفهومين أو وحيدين، قد يقعون في أوضاع غير صحية، باستخدام الذكاء الاصطناعي كبديل للعلاقات الحقيقية.
وعلى الرغم من أن هذه التفاعلات الاصطناعية عبر الروبوت، تبدو مريحةً على السطح، إلا أنها تفتقر إلى عمق التعاطف الإنساني. إنه باختصار مجموعة من الكوابل والخوارزميات. وهي لا تملك دم وأعصاب ودموع ومخاط.
كانت ردود الروبوت غير مؤذية في حد ذاتها نعم، لكنها كانت خالية من البصيرة، التي قد تساعد سيويل عبر فهم مشاعره وضائقته العاطفية، وشعوره المتزايد بالوحدة، وقضايا صحته العقلية، ما جعلته يفتقر إلى الدعم الحقيقي منها وقت الحاجة.
علاوة على ذلك، لم تُصمم أنظمة الذكاء الاصطناعي بروبوتاتها لتلبية احتياجات الأطفال العقلية. فهي أدوات وحسب، لا تتحرى عمر أو جنس العميل، وهي بالأساس لا توفر معالجين أو مقدمي رعاية. وربما كان استخدام سيويل للروبوت في البداية غير ضار، لكنه تحول بمرور الوقت إلى اعتماد عاطفي راسخ. لأنه اعتقد أن الروبوت يفهمه بطريقة لا يفهمها الآخرون، مما زاد من انسحابه من المجتمع.
العواقب والدروس
تُعد قصة سيويل بمثابة تحذير للآباء والمعلمين والمجتمع، إذ عليهم أن يكونوا على دراية بالمخاطر المحتملة التي تصاحب التعرض للذكاء الاصطناعي، خاصة بالنسبة للأطفال. كما يجب خلق توازن بين السماح للأطفال باستكشاف التكنولوجيا، وضمان بقائهم متصلين بالعالم الحقيقي.
كما يجب تعليم الأطفال طبيعة الذكاء الاصطناعي، وأنه أداة يمكن أن تساعد في المحادثات المفتوحة، لا العائلية أو الشخصية، لخلق فهم صحي لمكانة التكنولوجيا في حياتهم. كما يجب على شركات التكنولوجيا، القيام بدورها في حماية المستخدمين الصغار.
كما يجب على مطوري روبوتات المحادثة وأدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة، إعطاء الأولوية لإضافة ميزات تنبه مقدمي الرعاية، عندما يصبح التفاعل طويلًا أو مكثفًا، ما يساعد على وجود تدابير حماية عالية، مثل الفحوصات الدورية، وتوفير إرشادات مشددة حول مسائل الصحة العقلية، لمنع مثل هذه النتائج المأساوية.
الخاتمة
توضح قصة سيويل المؤلمة، العواقب غير المقصودة للذكاء الاصطناعي، عندما يُطور المستخدمون الصغار ارتباطًا عاطفيًا مع بضعة أسلاك ذكية، دون فهم حقيقتها. وأن التكنولوجيا رغم أنها تُثري الحياة، إلا أن لها حدودًا. كما يحتاج الأطفال إلى توجيه لاجتياز هذه المساحات. ووفاة سيويل هي بمثابة تذكير بأهمية التواصل الإنساني، ومخاطر استبداله بالعلاقات الاصطناعية. وأن لا آلة واحدة على الإطلاق، يمكنها تكرار تعقيدات التعاطف البشري.
كاتبة من ليبيا
تم نشر هذا المقال بواسطة تطبيق عاجل
التطبيق الأول لمتابعة الأخبار العاجلة في العالم العربي
اضغط لتحميل التطبيق الآن مجاناً