فريدريك جيمسون... آخر المثقفين الكلاسيكيين
فريدريك جيمسون: آخر المثقفين الكلاسيكيين
رحل عن عالمنا في الثاني والعشرين من شهر مايو الماضي، عن عمر يناهز 90 عامًا، الناقد الأدبي الأميركي البارز فريدريك جيمسون، أحد أبرز الشخصيات في ساحة النقد الأدبي والثقافي خلال القرن العشرين. جيمسون، رغم أنه لم يكن من نوعية المثقفين الذين يهوون إثارة الجدل والظهور، إلا أنه يُعدّ نموذجًا للمثقف الكلاسيكي الملم بشكل شمولي بثقافة عصره، والقادر على تقديم تصور نظري عابر لصناديق التخصص الأكاديمي الدقيق. جيمسون، الذي بدأ مشواره الفكري في الولايات المتحدة، سافر إلى أوروبا، حيث توسّع وعيه بأعمال مفكري ما بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة البنيويين الفرنسيين ورواد الفلسفة القارية.
البدايات والاهتمام بالماركسية
ركزت أبحاث جيمسون في تلك الفترة على النظرية النقدية التي أنتجتها مدرسة فرانكفورت، ومن تأثروا بأعمالها، بمن فيهم جان بول سارتر، وجورج لوكاتش، وثيودور أدورنو، ووالتر بنيامين، ولويس ألتوسير، وهيربرت ماركوز. درس جيمسون عمل سارتر بعمق، ووجد نفسه مُغرمًا بالماركسية، خاصةً وأن سارتر اعتبر النقد الثقافي فضاءً أساسيًا للفكر الماركسي. انضم جيمسون إلى اليسار الغربي الجديد، وحركات النضال السلمي، وأعجب بالثورة الكوبية، معتبراً إياها علامة على أن “الماركسية ليست حيّة فحسب، وإنما هي أيضًا قوة ملهمة للحراك الاجتماعي ومنتجة ثقافياً”.
التحليل الماركسي للثقافة
بعد حصوله على درجة الدكتوراه، واصل جيمسون الكتابة عن مفكرين أوروبيين، مثل أدورنو وألتوسير، سعياً لتحديد موقع مقارباتهم في الجدل حول البنية الاجتماعية وعلاقتها بالمنتجات الثقافية. كان جيمسون من جيل المفكرين الماركسيين الذين نقلوا النقد الماركسي من المنظور التقليدي، الذي اعتمد على فكرة أن “البنية الفوقية الثقافية” للمجتمعات تحددها القاعدة الاقتصادية، إلى مرحلة تبني تحليل نقدي للثقافة بوصفها ظاهرة تاريخية واجتماعية. تمكن جيمسون من تقديم نقد أسلوبي ماركسي لمروحة واسعة من منتجات الثقافة المعاصرة، بدءًا من المدارس الفكرية المعقدة، مثل البنيوية، وما بعد الحداثة في سياقاتها التاريخية، وصولاً إلى تحليل الأفلام الشعبية مثل مجموعة أفلام “حرب النجوم”.
التحليل الماركسي لما بعد الحداثة
من أهم مساهمات جيمسون، تحليله لما أصبح يعرف في تاريخ الثقافة بمرحلة “ما بعد الحداثة”. اعتبر جيمسون “ما بعد الحداثة” تعبيرًا عن منتجات الثقافة لفترة الرأسمالية المتأخرة، التي شهدت توسعًا هائلاً في أساليب الإنتاج الثقافي، مرتبطةً بتنوع صيغ المشهدية التي يقدم بها هذا الإنتاج. رفض جيمسون أي معارضة أخلاقية لـ “ما بعد الحداثة” بوصفها ظاهرة ثقافية، واقترح بدلاً من ذلك مقاربتها بمنهج الديالكتيك الهيغلي، الذي من شأنه أن يقرأ التطور الثقافي للرأسمالية المتأخرة جدليًا، أي بوصفه كارثة وتقدمًا معًا.
إرث فريدريك جيمسون
عمل جيمسون أستاذًا للأدب الفرنسي والمقارن في جامعات مرموقة، مثل هارفارد وديوك. لم يسلم جيمسون من النقد، لكنه ظلّ، ولأكثر من خمسة عقود، الناقد الأدبي والثقافي الماركسي الأهم في الولايات المتحدة، إن لم يكن في العالم أجمع. جيمسون، برحيله، ترك إرثًا فكريًا غنيًا، أسّس لِحُجّة قوية حول تحليل الثقافة في ظلّ الرأسمالية المتأخرة، مستخدمًا أسلوبًا نقديًا ماركسيًا متميزًا.
تم نشر هذا المقال بواسطة تطبيق عاجل
التطبيق الأول لمتابعة الأخبار العاجلة في العالم العربي
اضغط لتحميل التطبيق الآن مجاناً