ما لم يُروَ من قصة إيران وحماس
"إيران وحماس: من مرج الزهور إلى طوفان الأقصى": رحلة في تاريخ العلاقة المعقدة
ما لم يُروَ من قصة إيران وحماس
صدر عن مركز الجزيرة للدراسات، في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2024، كتاب “إيران وحماس: من مرج الزهور إلى طوفان الأقصى.. ما لم يروَ من القصة” للكاتبة والباحثة الدكتورة فاطمة الصمادي، خبيرة الشؤون الإيرانية بالمركز.
رحلة تاريخية في إطار أوسع
يُقدِّم الكتاب نظرة شاملة على تطور العلاقة بين إيران وحركة حماس، منذ بداياتها، مُسلطًا الضوء على محطاتها الأساسية وأزماتها، والعوامل الإقليمية والدولية التي أثرت فيها، وصولًا إلى تأثير المواقف الإقليمية المحيطة بالأحداث الراهنة.
تتبع الدكتورة الصمادي مسار هذه العلاقة من منظور يتجاوز البعد الأيديولوجي، لتأخذ القارئ في رحلة تاريخية تعيد تأطيرها ضمن منظومة أوسع من المصالح والتحديات المشتركة.
تُستعرض مراحل السياسة الإيرانية تجاه فلسطين، بدءًا من أواخر العهد القاجاري، مرورًا بالمرحلة البهلوية الأولى والثانية، وصولًا إلى ما بعد الثورة الإسلامية عام 1979.
"طوفان الأقصى": تحليل مواقف أطراف محور المقاومة
يفرد الكتاب فصلًا لبحث "طوفان الأقصى" وتحليل القراءات الإيرانية لهذه العملية وما تبعها، ويناقش مواقف أطراف محور المقاومة والمحددات التي حكمت أداء كل طرف، وتأثير دخول جماعة أنصار الله (الحوثية) على خط المواجهة، كما يُفصِّل في حدود المشاركة الإيرانية من خلال التركيز على مبادئ الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية.
التاريخ والسياسة: تفاعل دقيق بين حماس وإيران
يقدّم الكتاب نظرة معمقة على الخلفيات السياسية والدينية التي تشكلت منها العلاقة، مستعرضًا موقف كل من آية الله كاشاني وآية الله الخميني من القضية الفلسطينية قبل الثورة الإسلامية.
يرى كاشاني، الذي عرف بنقده لنظام الشاه، أن المشروع الصهيوني يشكل تهديدًا ليس فقط للعالم العربي والإسلامي، بل للبشرية بأسرها. أما الخميني، فقد كانت معارضته الصريحة للشاه قائمة على أساس رفض علاقة إيران بإسرائيل، وجعل من معاداة "النظام الصهيوني" رمزًا من رموز الثورة، وهو ما أدى إلى تحويل القضية الفلسطينية إلى محور من محاور السياسة الخارجية الإيرانية.
تؤكد الكاتبة أن العلاقة بين حماس وإيران لم تكن مجرد تحالف أيديولوجي؛ بل كانت -بالإضافة إلى ذلك- تحقق لكلا الطرفين مصالح مشتركة. تُسجّل زيارات متعددة قام بها قياديو حماس إلى إيران، مثل زيارة الشيخ أحمد ياسين في عام 1998، حيث عبَّر عن شكره للشعب الإيراني ودعمه للقضية الفلسطينية.
وتُسلط الكاتبة الضوء على كيف كانت إيران ترى في هذه العلاقة وسيلة لتأكيد نفوذها الإقليمي من خلال دعم القضية الفلسطينية، وتحديدًا دعم حركات المقاومة.
أزمات بعد الثورة الإسلامية
تتناول الدكتورة فاطمة الصمادي في كتابها مرحلة ما بعد اندلاع الثورة الإسلامية وتأسيس الجمهورية الإيرانية، حيث لعبت إيران دورًا كبيرًا في تعزيز موقعها الإقليمي، مستفيدة من دعمها للقضية الفلسطينية كإحدى ركائز سياساتها الخارجية.
وفي هذا السياق، تعرض الكاتبة لأزمات واجهت العلاقة بين حماس وإيران، أبرزها تلك التي حدثت عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث انقسمت المواقف وتباينت الرؤى؛ فقد اختارت قيادة حماس الابتعاد عن دعم النظام السوري، وهو ما اعتبرته طهران "موقفًا خارج محور المقاومة".
مواجهة الأزمة: التواصل بين كتائب القسام وفيلق القدس
تستعرض الباحثة في كتابها دور كتائب عز الدين القسام بقيادة محمد الضيف، في المحافظة على تواصل القسام مع فيلق القدس رغم التوتر السياسي بين القيادات، ما أعطى العلاقات مع طهران بُعدًا مميزًا وأعاق انهيارها بالكامل. وتبين الكاتبة كيف أن التوافق المشترك بين الطرفين حول ضرورة مقاومة "الاحتلال الصهيوني" كان أقوى من الخلافات حول القضايا الإقليمية الأخرى.
انعكاسات العلاقة على المشهد العربي
يُسلط الكتاب الضوء أيضًا على موقف بعض الدول العربية من علاقة حماس مع إيران، مشيرًا إلى تحفظ هذه الدول أو حتى رفضها لها، حيث ينظر البعض إلى حماس كـ"منفِّذ للسياسات الإيرانية في المنطقة". وتضيف الكاتبة أن هذا الانطباع العربي أوجد نوعًا من العزلة السياسية لحماس في العالم العربي، ما دفعها للتوجه إلى إيران ودعمها لتعزيز موقفها إقليميًا، خاصة في ظل غياب الدعم العربي الكافي للقضية الفلسطينية.
تحليل العلاقة: "التكلفة والعائد" والاختيار العقلاني
يُستخدم الكتاب أسلوبًا تحليليًا مركّبًا يمزج بين التاريخي والسياسي، ويستعرض النظريات التي يمكن من خلالها تفسير علاقة الطرفين.
يسعى إلى تبني نموذج "التكلفة والعائد" لتفسير العلاقة بين حماس وإيران وفق مفهوم "الاختيار العقلاني"، الذي يقوم على بناء العلاقات من خلال تعظيم كل طرف لمصالحه.
"الأطر الفكرية والمعيارية": محددات الخطاب السياسي
تُفرد الباحثة فصلًا كاملاً للحديث عن "الأطر الفكرية والمعيارية" وأهميتها في تشكيل معاني الخطاب السياسي لكلا الطرفين، مؤكدة على أن حماس لا تنساق بشكل كامل خلف الخطاب الإيراني، وأنها تظل محافظة على مواقفها الأساسية دون أن تفقد استقلالية قرارها.
### مستقبل العلاقة: بين التحديات والتعاونيستعرض الكتاب في ختامه مرحلة جديدة شهدتها العلاقة بعد عام 2020، حيث عادت حماس إلى تقوية علاقاتها مع إيران عقب اغتيال قاسم سليماني، وما تبعه من تداعيات على محور المقاومة، وصولًا إلى الأزمات السياسية الراهنة.
وتعتبر الباحثة هذه المرحلة دليلًا على أن التعاون بين الطرفين لن يكون مجرد علاقة وقتية أو استراتيجية سطحية، بل يمثل مسارًا طويل الأمد تعزز بفعل ضغوط القوى الإقليمية المتعددة.
مصدر هام للفهم
لقد بذلت المؤلفة جهدًا في توثيق وجهات النظر المتنوعة، سواء من داخل إيران أو حماس، مستعينةً بمقابلات ميدانية مكثفة واستشهادات موثقة من كلا الطرفين، ما يجعل الكتاب مصدرًا مرجعيًا في تاريخ وطبيعة العلاقة بين حماس وإيران.
ويعد الكتاب إضافة نوعية للمكتبة العربية التي تفتقر لمصادر تجمع بين التحليل التاريخي والشهادات الميدانية لمثل هذه العلاقة المعقدة.
تم نشر هذا المقال بواسطة تطبيق عاجل
التطبيق الأول لمتابعة الأخبار العاجلة في العالم العربي
اضغط لتحميل التطبيق الآن مجاناً