2 تشرين الثاني 2024 12:00ص سهيل منيمنة... ذاكرة بيروت
سهيل منيمنة: ذاكرة بيروت
الكاتب: د. جورج شبلي
مقدمة:
عندما انصتت بيروت إلى أفكار مفكر متميز، مُشرق الذكاء، تتدفق المعرفة والفهم من يديه، تحولت إلى حديقته، واستظلت بظله لتُخمد صخبها. كان سهيل منيمنة سوقاً أدبياً وقيمياً، ودائرة فكر متجولة، لذلك، لم يكن إفطار التاريخ معه يوماً على خبز بائت.
سهيل منيمنة: مؤرخ بيروت العظيم:
كان سهيل منيمنة المؤرخ المهذب والنبيل الأصيل، حريصاً على نشر تراث بيروت العظيمة بالصورة والكلمة، متمسكاً بمقاييس الماضي. لقد حقق نقلة نوعية بإخراج نكهة عاصمتنا العريقة، بعد أن سرقتها ظروف الزمن بشراسة، وأعاد لها بريقها لتُصبح أنيسةً تجعلنا نغرق معها في المتعة.
بيروت في عيون سهيل منيمنة:
كان سهيل منيمنة شغوفاً بأسرار بيروت، بارعاً في دقة البحث والاستقصاء، غني الذهن. كشف عن صور بيروت في أجمل هيئاتها وتفسيراتها، واضحة الدلالة على سحر فريد. وكأن الرجل أنفق على بيروت حبه، وتطوع ليقول إنّ رونقها ساحرٌ كالنور، تُفتح عليه العين على مسافات من الرؤى، ما يُصيب الرائي بالاهتزاز والارتعاش، لأنه أمام كنز خالد ينتقل من الماضي إلى المستقبل من الأجيال، على متن سحب الجمال.
دقة التّفاصيلِ في زمانِ بيروت:
لم تكن دقائق التفاصيل في زمان بيروت لتُعرف لولا سهيل منيمنة، المُتميز بإجادته في تقميش طوابع بيروت، برغبة، ولذة، وشوق. لا يُمكن لأحد أن يعتقد أن امتلاك كل هذه المزايا أمر سهل. كان سهيل منيمنة على معرفةٍ وبَصَرٍ في شؤون بيروت وتراثها، الذي لم يكن صحراء عوراء قليلة العيون، خالية من الماء. لقد قارب حقيقتها بوقارٍ واتّزان، مُستنداً إلى أنّ لا حرمة أولى بالرعاية من حرمة الحقيقة.
إرث سهيل منيمنة:
لقد بذل سهيل منيمنة كلّ جهدهِ لتكريم بيروت، وفادة ضيفه الأعزّ، وأودعها واسطة قلبه. عرفت بيروت أنّ موقفه منها لم يكن مُنحولاً، ورفعت له عقيرتها لأنه لم يُلقِ بها في غربة، ولم يُغمض عينَه عن ألوانها، بل حملها فِقراتٍ خلّابةً تُعَدُّ من الآيات التي تتوارد في حياة وانسجام، وبدون حاجةٍ الى وساطةٍ بينها وبين الحقيقة. إنّ سهيل منيمنة، المؤرخ العلّامة، لم يتعاطَ مع تاريخ بيروت على طراز قصص المواقد، بل قصدَ الى أن تحتفظَ بيروتُ بمكانةٍ شعائريّةٍ رفيعة. لذلك، عمدَ الى تغليفِ التّاريخِ بالتقنيّةِ العلميّة، يوشّيهِ بأسلوبِهِ الشّائقِ الخلّاب، حتى لا يصبحَ التاريخُ مجرَّدَ حكايات. من هنا، كان الرجل من العائلة المالكة في التّأريخِ والتّوثيق، فتركَ، في جدارِ بيروت، بَصمَتَه.
ثقافة سهيل منيمنة:
في أعطاف حياة سهيل منيمنة تَمالُحٌ مع الثّقافةِ التي كانت زادَه الجليل، ما مكَّنَه من إمعانٍ في السّعيِ خلفَ المعارف، فشمَّرَ عن ساعدَيه ونَقَبَ عن تاريخ بيروت التي أضرمَت نارَ تعلّقِهِ بها، وأصبحَ وجهُها، معه، مباركاً. يُشهَدُ له التزامُهُ بأن يكونَ قلبُهُ وعاءَ ودٍّ لبيروت، وضميرُهُ وَقفاً على عهدِها، وعقلُهُ ناشِراً لفَضلِها، وهذه بمثابةِ نُذورٍ وطنيّةٍ فرضَها سهيل منيمنة على نفسِه. وكأنّني به يقولُ لبيروت: أنا لا أحولُ عن عهدِكِ، وهواكِ، وإنْ حالَتِ النّجومُ عن مسارِها...
صورة بيروت مع سهيل منيمنة:
بيروت، مع سهيل منيمنة، صورة مُفرَدَةٌ لا يُعرَفُ لها شبيهٌ موثوق، ولا يمكنُ الإقرارُ بأنّها أَثَرٌ جغرافيٌّ صِرف. فهي عاصرَت، على مَرِّ دهرِها، يُبوساً، وكِفراً، ونخاسةً، ونالَها غَصَصٌ من الظّلم، ومع ذلك، لم يَفتْها طَورُ النّور. لقد قاربَها منيمنة طَبَقاً مُلِئَ مِسكاً، وسَيراً لأحاديثِ الدّنيا، ماضيها وباقيها، فتحوّلَت معه آيةً هي قيمةٌ للخلودِ، كلّما تَذَكَّرَ الخلودُ نفسَه.
تم نشر هذا المقال بواسطة تطبيق عاجل
التطبيق الأول لمتابعة الأخبار العاجلة في العالم العربي
اضغط لتحميل التطبيق الآن مجاناً