22 تشرين الأول 2024 12:00ص الفن زمن عبد الوهاب!

فلسفة الموسيقار الخالد عبد الوهاب: الحياة في الفن 🎶

تجسدت فلسفة الموسيقار عبد الوهاب في الحياة نفسها. كالنهر العظيم، تجمع مياهه من كل جانب لتصب في عطائه المتدفق. رأى أن الفن يخاطب النقاء في الإنسان، كما الحب والإبداع. اعتبر أن موسيقى الشرق، حتى في زمانه، تخاطب اللذة في الإنسان، بينما موسيقى الغرب تخاطب العقل، الذي لا يفقد متعته. ويبدو أنه سعى مع أم كلثوم للجمع بين هذين الاتجاهين.

من خلال حواراته، نلمس إعجابه بأسلوب سيد درويش التعبيري، وفكره الثوري، وصِدق السنباطي ومحافظته على الأصول والتقاليد. كما لاحظ ملاءمة فن كمال الطويل مع أجواء الصالونات، على عكس بليغ حمدي الذي يعالج النصوص لتناسب كل مستمع. واعتبر زكريا أحمد وسيد مكاوي على نفس المنوال. أما محمد الموجي، فقد وصفه "بعقل وحسب".

اعترف عبد الوهاب بتأثره العميق بصوت فيروز خلال دقائق معدودة. وأدرك في "كروان الشرق" فايزة أحمد نبرة فريدة. واستشعر صدق وتجويد عبد الحليم حافظ، وحزنًا لذيذًا في صوت نجاة الصغيرة، ونَزَقًا في أداء وردة.

لم تكن علاقة عبد الوهاب بفريد الأطرش محفوفة بالاختلاف. شاركاه في الحفلات والأمسيات، وأدركوا معًا أنّ الذائقة الفنية تتطلب أخلاقًا متعقلة. أهدوا العالم سيلًا من نور إلهامهما المتألق.

لم يكن صوت أم كلثوم يعرف المستحيل. مع مساندة موسيقار مثل عبد الوهاب، كان صوتها أنشودة من رياض الخلد وغيث الروح، أو قل خمرة تمتزج بالروح. استجاب الجمهور لآهاتها، فبكى عند حزنها، وتشرب الحب عند غناءها للحب، وتذوق المتعة من خلال استرسالها. عندما تبتسم، يشع الكون ويفيض بعبق الرجاء. تنام ألحانها في قلوب الشقاء وتغط في ابتسامتها العيون.

لم تكن أم كلثوم مجرد مطربة، بل كانت ناقدة أدبية موهوبة. كانت تقرأ القصيدة مرة واحدة، فتدرك جمالها أو ضعف معناها وبنائها. عندما تعجبها القصيدة، تُنقل نفسها إلى مكان السميع، وتُرشح كلماتها بذكاء، كما يفعل الناقد الحصيف. تُغيّر الكلمات التي لا تعجبها، أو الشطر الذي لا يتناسب مع النغمة.

بخلاف عدد من فنانين اليوم، كانت متواضعة ومُحترمة. كانت تُروي النكات اللطيفة بطريقة محببة.

أين نحن من الثنائي الأسطوري ذاك؟ أين وزاراتنا "المختصة" و"المتخصصة" و"المعنية" من هذا الفن؟!!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه